الثلاثاء، سبتمبر ٩

الكنز المسلوب والفردوس المفقود

إن فى ذلك لذكرى لمن كان له قلب...ثانياً: وصف حي لتسليم غرناطة: وفي الثاني من ربيع الأول 897 هـ ، كانون الثاني (يناير) سنة 1492م وفي وقت الصباح تم تسليم المدينة، فما أن تقدم النصارى الأسبان القشتاليون من تل الرحى صاعدين نحو الحمراء حتى تقدم أبو عبدالله الصغير وهو يلبس أثواب الهزيمة وعلى وجهه العار والشنار وقال للقائد القشتالي بصوت مسموع "هيا يا سيدي في هذه الساعة الطيبة وتسلم القصور - قصوري باسم الملكين العظيمين اللذين أراد لهما الله القادر أن يستوليا عليها ، لفضائلهما وزلات المسلمين وتم تسليم القصور الملكية والأبراج على يد الوزير ابن كماشة الذي ندبه أبو عبدالله الصغير للقيام بهذه المهمة . وما كاد الكردينال وصحبه يجوزون إلىداخل القصر المنيف حتى صعدوا ووضعوا فوق برجه الأعلى صليبا كبيرا فضيا وبجانبه علم قشتالة وعلم القديس ياقب. وأعلن من فوق البرج ثلاثاً أن غرناطة اصبحت ملكا للملكين الكاثوليكيين. وأخذ رنين وبكاء يتردد في غرف قصر الحمراء وأبهائه وكانت الحاشية منهمكة في حزم أمتعة الملك المخلوع في ركب قاتم مؤثر يحمل أمواله وأمتعته ومن ورائه أهله وصحبه القلائل وبعض الفرسان المخلصين وكانت أمه الأميرة عائشة تمتطي صهوة جوادها يشع الحزن من محياها الوقور . وحين بلغ الباب الذي سيغادر منه المدينة إلى الأبد ضج الحراس بالبكاء(2) وتحرك الركب نحو منطقة البشرات وفي شعب من الشعاب المطلة على غرناطة وقف أبو عبدالله الصغير مودعا لمدينته وملكه ، فاجهش بالبكاء على هاتيك الربوع العزيزة ، فصاحت به أمه عائشة الحرة: "إبك مثل النساء مُلكا مضاعا لم تحافظ عليه مثل الرجال" إن هذه الكلمة حري بها أن تكون إطارا لمأساة غرناطة وقد جمعت فيها كل العبر والأمثلة والحِكَم .

ليست هناك تعليقات: